السبت، 7 يونيو 2014

كافكا عن الكتب وما تفعله القراءة في الروح الإنسانية.

كيف نذيب "البحر المتجمد بداخلنا"
ماريا بوبوفا

"القراءة هي مهمة العقل المتأهب، متطلبة ولحوحة، وتحت الظروف المثالية تقدم نوعا من النشوة." يقول إلوين بروكس في تأملاته عن مستقبل القراءة في عام 1951. في الواقع، السؤال في أهمية الكتب وما تفعله القراءة في الروح الإنسانية قد أشغل عقول الصغار والكبار، من كارل ساجان في تأملاته الجميلة في الكون، إلى طفلة ذات تسعة أعوام سألتني مرة لماذا نمتلك الكتب؟، ربما أجمل إجابة عن هذا السؤال جاءت من خلال العقل الذي لطالما كان مطليا بالكآبة والسواد، ومع ذلك كانت له قدرة استثنائية مرهفة تجاه جماليات الحياة: فرانز كافكا.
 في رسالة مكتوبة في نوفمبر من عام 1903 وجد الموجز الأكثر سحراً رسائل إلى الأصدقاء، العائلة والمحررين، كافكا في العشرين من عمره يكتب لصديق طفولته، مؤرخ الفن أوسكار بولاك:"بعض الكتب تبدو كأنها المفتاح لغرف غير مألوفة في قلعة أحدهم."


بعد أشهر لاحقة، في يناير من عام 1904، يشرح بهذه العاطفة في رسالة أخرى إلى صديقه بولاك:

"أعتقد أنه ينبغي لنا أن نقرأ ذلك الصنف من الكتب الذي يجرحنا ويطعننا، إن لم توقظنا الكتب التي نقرأها بضربة على رؤوسنا علام نقرأ إذن؟ هكذا ستجعلنا الكتب سعداء، مثل الكتابة أيضاً؟ يا إلهي! ربما سنكون سعداء تماما إن لم نمتلك كتباً، تلك الكتب التي أسعدتنا لربما نكون نحن من كتبها لو استطعنا. لكننا بحاجة إلى تلك الكتب التي تؤثر فينا مثل المصيبة، تلك التي تغرقنا في الحزن، كموت شخص كنا نحبه أكثر من أنفسنا، كأن تنفينا إلى غابات أبعد عن كل شخص، كالانتحار. الكتاب يجب أن يكون الفأس للبحر المتجمد بداخلنا. هذا هو اعتقادي."

الأحد، 18 مايو 2014

بيت القهوة في سُرات



بيت القهوة في سُرات - ليو تولستوي.
ترجمة: أفنان الحجيلي

في بلدة سُرات في الهند، كان هناك بيتاً للقهوة، حيث كان يلتقي ويتحاور عدداً من المسافرين والأجانب من جميع أقطار العالم.
في يومٍ ما، زار بيت القهوة عالم لاهوت مثقف. كان رجلاً فارسياً أمضى حياته في دراسة طبيعة الآلهة، وكان قد قرأ وألَف كتباً لاهوتية. كما قرأ وكتب وفكر كثيرا عن الرب، حتى بدأ تدريجياً يفقد عقله وأصبح مضطرباً إلى أن كف تماماً عن الإيمان بوجود إله. لما علم الشاه بذلك، أنفاه بعيداً عن بلاد فارس.

بعد أن أمضى كل حياته في الجدال حول السبب الأول -الله في تعريف الفلاسفة-، انتهى هذا اللاهوتي البائس الى الإرباك التام، وبدلاً من أن يدرك أنه قد خسر غايته، بدأ بالتفكير أن ليس ثمة سبب أعلى يحكم الكون.

لدى هذا اللاهوتي عبد أفريقي يتبعه في كل مكان، عندما دخل بيت القهوة بقي العبد في الخارج، جالساً على صخرة تحت لهيب الشمس، يطرد الذباب الذي يحوم حوله. جلس الفارسي على مقعده وطلب كوباً من الأفيون، بعد أن شرب الفارسي أفيونه، بدأت فاعليته على دماغه، وصاح بعبده الجالس عند الباب:
"أيها العبد الحقير، قل لي، هل تعتقد بوجود إله؟"
"بالطبع" قال العبد، وسحب من تحت حزامه، وثناً خشبياً صغيراً.
"هذا هو الإله الذي يحرسني مذ ولدت. كل شخص في بلادنا يعبد الشجرة التي منها وجد هذا الإله الخشبي."

كان هذا الحوار بين اللاهوتي وعبده قد سُمع بذهول من قبل بقية مرتادي بيت القهوة. كانوا مندهشين بسؤال السيد، وأكثر دهشة بجواب عبده. كان منهم برهمياً، حين سمع جواب العبد التفت إليه قائلاً:
"أحمق بائس! هل يعقل أن يُحمل الإله تحت حزام أحدهم؟ ليس هناك إلا إله واحد، هو براهاما، وهو من خلق الكون. هو الإله المعظم، وتحت جلالته قد بنيت معابد الغانج، حيث كهنته المخلصون، البرهميين، يعبدونه. هم الذين يعرفون الإله الحقيقي، ولا أحد سواهم. آلاف من السنين مضت، ثورة أعقبت ثورة، ولم يتزعزع حكم الكهنة، ذلك لأن براهاما، الإله المعبود الحق، كان يحميهم."

هكذا تكلم البرهمي، برجاء أن يقتنع البقية بقوله. لكن سمساراً يهوديا  كان حاضراً بينهم عقب على كلامه، فقال:
"لا! معبد الإله الحقيقي ليس في الهند، وليس براهاما من حمى طائفة البرهميين. الإله الحق ليس إله البرهميين، بل إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. ولم يحمِ أحدا عدا شعبه المختار، الإسرائيليون. منذ بدء الخلق، أمتنا كانت المحببة لديه، ولا أحد سوانا. إذا كنا اليوم مشتتين في أرجاء الأرض، هذا اختبار لنا، لأن إلهنا وعدنا بأنه سيجمعنا يوماً في أرض معادنا، هناك في بيت المقدس. هناك، حيث معبد القدس، أعجوبة العالم القديم، سيعود لأبهته، وحيث يُقر بأن إسرائيل هو زعيم كل الأمم."

هكذا تكلم اليهودي، إلى أن انتحب، كان يأمل أن يكمل، إلا أن قاطع حديثه مبشر إيطالي:
"ما تقوله ليس صحيحاً، إن هذا إله ظالما. لا يمكن أن يفضل الإله أمة على أخرى. حتى لو كان صحيحا أنه فضل الإسرائيليون، الآن مرت ألف وتسعمائة سنة على غضبه عليهم، وغضبه هو الذي دمر أمتهم وشردهم في الأرض. لا يميز الإله أحداً، بل يدعو كل من يأمل بالنجاة إلى حضن الكنيسة الكاثوليكية في روما حيث لا أحد خارج حدودها يجد الخلاص."

هكذا تكلم الإيطالي. لكن قسيساً بروتستانياً صرخ في المبشر:
"كيف تعزو الخلاص فقط إلى كنيستك؟ الناجون فقط من يعبدون الرب طبقاً لتعاليم الإنجيل بروحانية وصدق."

كان هناك موظفاً تركياً في جمارك سُرات. جالساً في بيت القهوة مستمعاً ويدخن غليونه، التفت إلى المسيحيين:
"اعتقادكم في الدين الروماني باطل. أُبطل منذ حوالي ألف ومئتي سنة بدين جديد: ذلك الذي جاء به محمد! لا يمكنك إلا أن تتصور كيف انتشر دين محمد في أرجاء آسيا وأوروبا، حتى في الصين البلد التنويري. تقول بنفسك أن الإله طرد اليهود، كنتيجة، أنت تستشهد بحقيقة أن اليهود مذلون ودينهم لم ينتشر. اعترف إذن بحقيقة محمد، لانتصاره وانتشاره طولاً وعرضاً. أحداً لن ينجو عدا أتباع محمد آخر الأنبياء والمرسلين، وأتباع عمر، أما أتباع علي فليس لهم النجاة لأنهم أخطأوا الإيمان."

اللاهوتي الفارسي كان من أتباع علي، كان سيهم بالرد لولا لغطاً تعالى في بيت القهوة بين المرتادين من مختلف العقائد والطوائف. كان هناك حبشيا مسيحيا وبوذيا من إقليم التبت وإسماعيلياً وعبدة النار. جميعهم تنازعوا حول حقيقة الإله، وكيف يجب أن يعبد. كل واحد منهم يؤكد أن في بلده فقط يوجد الإله الحق المعبود.

جميعهم يصرخون ويتنازعون، عدا شخص واحد كان يجلس في ركن المقهى، رجل صيني من تلاميذ كونفوشيوس، يشرب الشاي ويستمع الى نزاعاتهم، ولم يتكلم. لاحظه الرجل التركي فطلب منه:
"يمكنك أن تؤكد حقيقة ما أقوله أيها الصيني الطيب، انت متمسكاً بسلامك، أعرف أنك ان تكلمت ستؤكد رأيي، تاجراً صينياً أخبرني أن من بين كل الديانات التي شهدتها الصين، شعبكم يقر الأفضلية لدين محمد. أكد كلامي هذا وقل لنا رأيك عن الإله الحق ورسوله."

"نعم، نعم" قال البقية، ملتفتين إلى الرجل الصيني: "أسمعنا رأيك."

أغلق تلميذ كونفوشيوس عينه، وفكر قليلاً، ثم فتح عينيه مجدداً، شمر عن ساعديه ثم وضع يديه على صدره، وبصوت هادئ رخيم قال:
"أيها السادة. يبدو لي أنه لمن الغرور أن ما يمنع رجلاً من أن يتفق مع الآخر هي مسألة إيمان، إن كنتم حريصين على الاستماع سأروي لكم قصة تبين رأيي.

أتيت من الصين على متن باخرة إنجليزية. كنا قد درنا العالم. توقفنا من أجل الحصول على مياه عذبة، فاستقرت الباخرة على الساحل الشرقي لجزيرة سومطره. كان منتصف النار وبعضنا قد تظلل تحت نخيل جوز الهند على الشاطئ. غير بعيد عن قرية محلية. كنا مجموعة رجال من مختلف الجنسيات.

عندما جلسنا، قدم إلينا رجل أعمى. علمنا فيما بعد أنه أصيب بالعمى من فرط تحديقه بإصرار في عين الشمس، راغباً في معرفة ما تكونه وسبر غورها، ولكي يحتجز أبداً ضوؤها في عينيه. لقد جاهد طويلاً من أجل هذا، النظر بثبات في الشمس، لكن النتيجة الوحيدة كانت أن عينيه تأثرت بالسطوع فأصابه العمى. قال لنفسه:
"ضوء الشمس ليس سائلاً، لأنه لو كان كذلك لأمكننا صبه من إناء لآخر، وسيتحرك كالماء بفعل الرياح. لا وليس ناراً، لأنه لو كان كذلك، لاستطاع الماء أن يطفئها. وليست روحاً، لأننا نستطيع رؤيتها. إذن، ضوء الشمس ليس سائلاً ولا ناراً ولا روحاً، هو لا شيء."

هكذا تكلم الأعمى، وكنتيجة للتحديق في الشمس والتفكر الطويل بحقيقتها، فقد بصره وغايته من كل هذا الإصرار. عندما فقد بصره كلياً، أصبح مقتنعاً تماماً أن الشمس ليست موجودة.

مع الرجل الأعمى كان هناك عبداً، بعد أن أجلس سيده في ظل نخلة جوز الهند، التقط جوزة هند من الأرض ليصنع منها فناراً ليلياً، لوى فتيلة من ألياف جوزة الهند، استخرج الزيت من الجوزة ونقع الفتيلة فيه.

بينما كان العبد منشغلاً في إضاءة الفنار، تنهد الأعمى وقال له:
"أيها العبد، أليس صحيحاً ما قلته لك حول حقيقة وجود الشمس؟ ألا ترى هذه العتمة؟ مازال الناس يقولون أن الشمس موجودة، إذا كان ذلك صحيحاً، ما تكونه الشمس؟"

"لا أعرف الشمس." قال العبد. "هذا ليس من شأني. لكنني أعرف ما هو الضوء. ها قد صنعت فنارا ليلياً ليعينني على خدمتك، ولأجد كل ما أريده في الكوخ." التقط العبد جوز هند وقال: "هذه شمسي."

رجل أعرج بعكاز، سمع الحديث الذي دار بين السيد وعبده، قال ضاحكاً:
"من البين أنك كنت أعمى طيلة حياتك." قال الأعرج للأعمى."سأخبرك ما هي الشمس. الشمس كرة نار، تشرق كل صباح على البحر ثم في المساء تغرب أخيراً بين الجبال على جزيرتنا. كلنا رأينا ذلك، ولو كنت بصيراً لأمكنك رؤيتها."

كان ثمة صياد يستمع إلى الحديث الجار، قال:
"من الجلي أنك لم تذهب أبداً إلى الجزء الآخر من الجزيرة. إذا لم تكن أعرج، ولو كان باستطاعتك أن تكون على القارب كما أفعل أنا، لكان بمقدورك إدراك أن الشمس لا تختفي بين الجبال في جزيرتنا، ولكن كما أنها تشرق كل صباح على المحيط فهي تعاود الكرة مرة أخرى في المساء، ما أقوله لك صحيحا لأن ذلك ما أراه كل يوم بعيني هاتين."

قاطعه رجلاً هندياً كان معنا على الجزيرة، قائلاً:
"يدهشني أن رجلاً عاقلاً يقول كلاماً كهذا. كيف لكرة من النار أن تهبط على الماء ولا تنطفئ؟ الشمس ليست كرة نار أبداً، بل هي إله اسمه ديفا، الذي يمتطي الجبال الذهبية في حركة أبدية دائرية. أحيانا الشياطين الأفاعي راجو وكيتو يهجمون على ديفا ويبتلعونه، فتعتم الأرض. لكن الكهنة يصلون بأن يطلق سراح الإله ديفا، فتشرق الشمس من جديد. فقط رجل جاهل مثلك لم يذهب أبداً أبعد من جزيرته يتوقع أن الشمس تشرق في بلاده وحدها."

سيد الأواني المصرية. كان حاضراً فقال بدوره:
"لا. انت أيضا مخطئ. الشمس لا تشرق في الهند وحدها. لقد أبحرت كثيراً في البحر الأسود والسواحل العربية. كما سافرت إلى مدغشقر والفلبين. الشمس تضيء الأرض بأسرها. لا تدور حول جبل واحد، لكنها تبزغ بعيدا في الشرق وراء جزر اليابان الى ان تستقر بعيداً، بعيداً جداً في الغرب خلف الجزر الإنجليزية. لأجل هذا يطلق اليابانيون على بلادهم اسم "نيبون" والذي معناه: "ولادة الشمس." أعرف هذا جيداً، سمعته من جدي الذي أبحر حتى نهايات البحار."

كان يود أن يكمل حديثه لولا أن قاطعه بحاراً إنجليزياً:
"لايوجد بلد يعرف شعبه كثيرا حول حركة الشمس أكثر من إنجلترا. الشمس، كما يعرف كل إنجليزي، تشرق من اللا مكان وتغرب من اللا مكان. هي دائما تتحرك حول الأرض، نعرف هذا جيداً لأننا نحن الإنجليز ذهبنا إلى كل أرجاء الأرض. حيثما تذهب، ستجد أن الشمس تشرق في الصباح وتغرب في الليل، تماماً كما تفعل هنا."

التقط الإنجليزي عصا ورسم عدة دوائر في محاولة شرح حركة دوران الشمس حول الأرض، لكنه لم يكن قادراً على الشرح بوضوح. أشار إلى ربان السفينة، وقال: "هذا الرجل يعرف أكثر مما أعرفه أنا. يستطيع ان يشرح لكم على نحو لائق."

الربان رجلاً ذكياً، كان يستمع بصمت إلى الحديث ولم يتكلم حتى طلب منه ذلك:
"كلكم مضلل للآخر، وتخادعون أنفسكم. الشمس لا تدور حول الأرض، بل الأرض تدور حول الشمس في كل من الأربع والعشرين ساعة. ليس فقط في اليابان، بل في الفلبين وسومطرة حيث نحن الآن، وأفريقيا وأوروبا وأمريكا وكل البلدان. لا تشرق الشمس لجبل أحد ولا لجزيرة أحد ولا لبحر أحد، ولا حتى للأرض وحدها بل حتى لسائر الكواكب. اذا نظرت إلى السماء بدلاً من أن تنظر إلى الأرض أسفل قدميك، قد تفهم تماما أن الشمس لا تشرق لك وحدك أو لبلادك وحدها."

هكذا تكلم الربان الحكيم. الذي قام برحلات عديدة حول الأرض، وتأمل كثيرا في السماء.

"كذلك بالنسبة لمسألة الإيمان." قال تلميذ كونفوشيوس. "الغرور وحده الذي يسبب الشقاق والنزاع بينكم. كما هي الشمس بالنسبة للكون كله. الإيمان أيضاً كذلك. كل شخص يريد أن يحظى بإله خاص به. أو على الأقل إله خاص ببلده. كل أمة ترغب في حبس إلهها في معبدها الخاص، والذي بدوره لا يستطيع أن يحوي جميع العالم."

"كل المعابد البشرية صنعت على هذا النموذج، الذي هو عالم الإله الخاص. كل معبد له معمودياته، له سقفه المحدب، له أنواره، له صوره ومنحوتاته، له نقوشه، له كتب وشرائعه، له عروضه، له مذبحه وكهنته. لكن في أي معبد هناك معمودية كالمحيط؟ أو سقف كالسماوات؟ أو أنواراً كالشمس والنجوم والقمر؟ أو أيه أعراف كالتعايش والحب والتراحم الإنساني المتبادل؟ أين ثمة رحمة سهلة الإدراك كرحمة بذور الحب التي نثرها الإله من أجل سعادة الإنسان؟ أين ثمة كتاب للشرائع أوضح من ذلك المكتوب في قلب الإنسان؟ أي تضحية مساوية لنكران الذات الذي يجيء مع حب رجل لإمرأة ويعطيه أحدهما للآخر؟ أي مذبح يمكن أن يقارن بقلب رجل طيب؟"

"كلما سما إدراك الشخص عن ماهية الإله، كلما عرف نفسه جيداً، وعرف الإله جيداً وكان أكثر قرباً منه، يحاكي رحمته، وحبه للآخر."

"إذن، من يرى الشمس كضياء ينير الكون كله، لا يحتقر ذلك الذي يؤمن بالخرافات، هذا الذي بدوره لا يرى إلا شعاعاً صغيراً، ولا حتى يزدري الغير مؤمن، ذلك الأعمى الذي لا يرى الضوء أبداً."

هكذا تكلم تلميذ كونفوشيوس. صمت كل من كان حاضراً في بيت القهوة. ولم يعاودوا الجدال في أفضلية العقائد.










الثلاثاء، 5 فبراير 2013

الحنين - تاركوفسكي





-"ماذا تقرأين؟" يسأل غورباتشوف.
-"تاركوفسكي.. قصائد لآرسن تاركوفسكي." يوجينيا تبدو متفاجئة قليلأً.
-"بالروسية؟."
-"لا. إنها مترجمة. جميلة للغاية."
-"تخلصي منها."
-"لماذا؟ في الواقع الذي قام بترجمتها شاعر جيد." تقول يوجينا في تبرير واضح.
-"الشعر لا يمكن أن يترجم. الفن بشكل عام غير قابل للترجمة."
-"أستطيع أن أتفق معك بخصوص الشعر, لكن الموسيقى؟ الموسيقى على سبيل المثال؟."
*يغني غورباتشوف أغنية روسية.*
"ماهذا؟." تسأل يوجينا.
-"أغنية روسية."
-"صحيح, لكن كيف لنا أن نعرف تولستوي؟ بوشكين؟ كيف لنا حتى أن نفهم روسيا؟." تسأل يوجينيا بنزق.
-"لكنك لا تفهمين روسيا على الإطلاق!."
-"ودانتي؟ بترارك؟ ميكافيللي؟ إذن الروس لا يعرفون إيطاليا!"
-"بالطبع لا يعرفونها." غورباتشوف يؤيد. "كيف لنا؟ نحن الفقراء الشياطين."
-"ماذا نفعل برأيك لنعرف بعضنا أفضل؟."
-"الغاء الحدود."
-"أية حدود؟"
-"حدود الدول.."



من رسائل كافكا إلى ميلينا.






(١)

براغ
16 يوليو 1920

أردت أن أتفوق في نظرك، أن أريك قوة إرادتي، أن أنتظر قبل أن أكتب لكِ، أن أنهي وثيقة العمل التي بين يدي، لكن المكتب خالي، لا أحد يحذرني، كما لو أن ثمة شخص يقول: دعه وشأنه، ألا تراه منغمساً في شؤونه؟ كما لو أنه تلقى ضربة على فمه. أكتب نصف صفحة من عملي وأعود إليكِ، أستلقي بجانب الرسالة كما لو أننا كلانا مستلقين جنباً إلى جنب في دغل كثيف.
لم تصلني منكِ رسالة اليوم، ولست متوجساً، ميلينا، أرجوكِ لا تسيئي فهمي، لم أكن أخشى عليكِ حتى وإن بدا أحياناً كأنه كذلك، إنه ببساطة، الضعف، مزاج القلب الذي يعرف تماماً لماذا ينبض برغم كل ذلك.
العمالقة يضعفون أيضاً، أؤمن بأن هرقل أغمي عليه مرة، في حضرتك أستطيع تحمل أي شيئ; المسافة، الشجن، القلق وقلة الرسائل.

..ثمة شيئ لا أستطيع تحمله دون عونك، هو الخوف ميلينا، أنا أضعف من ذلك، إنه مريع.

...

ف. كافكا.